المدخل | التعليق  الاسبوع  | الجديد في الاتجاهات  | افتتاحيات الصحف  | الاتصال بنا  | اشارات  | مقالات عبدالاله البياتي 

تعاون دول حوض الخليج والعراق
لا شك ان شعوب منطقة الخليج ترحب بالتحسن المطرد في العلاقات بين السعودية وايران وسترحب بحل كل المشاكل العالقة بين ايران ودول مجلس التعاون ،والتي على راسها مشكلة الجزر،وبكل الاجراءات التي تؤدي الى ازالة التوتر في منطقة الخليج وتحقيق الحوار والهدوء ومن ثم التعاون بين دوله. ومع تفاؤلنا بنتائج هذا التحسن في العلاقات الذي قد يطوي صفحة صراعات الماضي نعتقد ان اشراك ومشاركة العراق في ترتيبات تأمين الاستقرار والامن في المنطقة وتطوير التعاون بين شعوبها هو امر ضروري واساسي بدونه ستظل هذه الترتيبات مؤقتة وناقصة تفتقر ال مقومات الفعالية والدوام لما للعراق كبلد ،ومهما كانت الحكومة التي تمثله قانونيا ،من وزن اقتصادي و ثقافي و ديموغرافي وسياسي وموقع جغرافي وسيط.فكل الحقائق الجيوبوليتيكية تبين بجلاء ان العراق يحتاج وسيظل محتاجا للتعاون مع بلدان حوض الخليج الاخرى ،وبلدان حوض الخليج تحتاج وستظل محتاجة للتعاون مع العراق
وفي بحثنا عن الامن والاستقرار في منطقة الخليج ينبغي ان ندرك ان اول الدروس التي ينبغي استخلاصها من فترة الصراعات الماضية هو ان اي طرف من الاطراف ،دول مجلس التعاون وايران والعراق ،يملك وسيظل يملك من القوى والاحتياطيات،الذاتية والحليفة، ما يجعله قادرا على الصمود وانهاك الاطراف الاخرى اذا تعرضت وحدة وسلامة اراضيه او مصالحه الاستراتيجية للخطر .ان محاولات تغيير توازنات القوى في منطقة الخليج عن طريق العنف المسلح ،تصدير الثورات ،الحرب العراقية الايرانية ، احتلال الكويت،حرب الخليج الثانية، حصار العراق ، ليس فقط انها لا مبرر لها وانما كذلك الت جميعها وستؤول مثيلاتها الى الفشل التام وهي لم تحمل سوى الخسائر في الارواح واالثروات والطاقات ولم تخدم الا القوى الاجنبية. لهذا فان الحكمة تتطلب الهجر النهائي لهذه المحاولات والبحث عن الوسائل التي تلغي مسبباتها في سياسات حكام الدول وفي فكر سياسييها ومثقفيها.
والدرس الثاني الذي يمكن استخلاصه هو ان فكرة التوازن ذاتها هي فكرة مضرة ومضللة.فمنذ زمن بعيد يكرر مخططو الاستراتيجية الغربية ان امن واستقرار الخليج يقوم على التوازن ،وخصوصا العسكري، بين العراق وايران والسعودية.ولكن ما تخفيه هذه الاستراتيجية هو حقيقة ان هذا التوازن المستند الى ثلاث قوائم هو توازن قلق دائما ولن يؤدي الى الاستقرار في المنطقة ذلك لانه قابل للتغيير والانفجار لاقل خلل مما يدفع الى سيادة الحذر والريبة بين الاطراف وانعدام الثقة والامن واعتبار اي تقدم يحققه احد الاطراف خطرا يهدد الاطراف الاخرىومما يؤدي الى سباق التسلح وغياب التعاون وبالتالي الى الحاجة الى طرف رابع يملك من القوة والقدرة ما يمكنه من المحافظة على هذا التوازن القلق ولجم عوامل التطور عند كل الاطراف.وقد قامت بريطانيا ثم امريكا بدور هذا الطرف الرابع منذ الثلاثينات وها هي اسرائيل تحلم وتستعد للعب هذا الدور في المستقبل.
ولكن حرب الخليج الاولى والثانية بينت بجلاء لكل الاطراف ان هذا الطرف الخارجي الرابع لا يهمه في الواقع ،رغم ادعائه المحافظة على التوازن ،سوى خدمة مصالحه الاستراتيجية مضحيا بمصالح الاطراف المحلية واملها في الامن والاستقرار كلما تعارض ذلك مع مصالحه.فالكل يعرف اليوم ان سياسة الاحتواء المزدوج تستهدف من جملة ما تستهدف انهاك اقتصاديات بلدان مجلس التعاون وان العقوبات،بشقيها العسكري والاقتصادي، المفروضة على العراق واستمرار العدوان عليه هو لخدمة امن اسرائيل ومصالح الولايات المتحدة النفطية لا لخدمة امن ومصالح دول المنطقة فلو كانت كذلك لاتخذت مضامين اخرى ولما استمرت الولايات المتحدة في زرع الشكوك واثارة الخلافات وتاجيج التوتر بين دول المنطقة الامر الذي يمنع سيادة جو الشعور بالامن الضروري لانتعاش اقتصاديات المنطقة .

براينا ان على دول حوض الخليج ان تستبدل استراتيجية التوازن باستراتيجية التعاون والترابط في المصلحة وان تستبدل الطرف الرابع الخارجي بقوى وامكانيات التنمية المتداخلة لتصل الى وضع يكون فيه نهوض اي طرف هو قوة محركة لنهوض الاطراف الاخرى واضعاف اي بلد هو اضعاف للبلدان الاخرى ويكون فيه استقرار وامن اي طرف هو ضرورة لامن واستقرار الاطراف الاخرى، مستعينة بدعم سوريا ومصر وتركيا من جهة والناكستان والهند من الجهة الاخرى لما يمثله امن واستقرار الخليج من اهمية لكل هذه البلدان.
ان عوامل النجاح في مثل هذا النهج متوفرة ويعرفها الجميع ولا يمنع تنفيذه سوى الحاجة الى الحكمة السياسية وقد سبقتنا في اتباع هذا النهج ، لتجاوز الصراعات فيما بينها وابعاد شبح الحرب والماسي وتحقيق التنمية ،بلدان عديدة في مناطق اخرى، ابرزها اوروبا ، وهو نهج لا شك ان تحديات المستقبل ستفرضه علينا جميعا فمنطقة الخليج مؤهلة لان تنهض كما نهضت النمور الاسيوية في الماضي اذا ابتعد سياسيها ومثقفيها عن التعصب والعنصرية وضيق الافق والرضوخ للنصائح الاجنبية واذا ستعدت حكوماتها منذ الان ،بوضع الخطط والدراسات واجراء التفاوض وتامين اللعقود،لتوفير شروط استخدام المداخيل النفطية المرتقبة نتيجة زيادة الطلب العالمي على النفط في تحقيق التطوير المتشابك والمتبادل والمتكامل لكل منطقة الخليج.
فعلى اساس من الخطط المستقبلية التي ينبغي بحثها منذ الان في مسائل شبكات الكهرباء وتامين المياه والصناعات النفطية و البتروكيمياوية وربط شبكات الطرق والسكك الحديد وربط شبكات التلفون والانترنيت وخطوط الطيران والملاحة وتطوير الموانئ والمناطق الحرة وفتح انتقال الرساميل والبضائع والخدمات والاشخاص واقامة الشركات والادارات المشتركة وغيرها من مشاريع البنية التحتية ،يمكن ان نبني اقتصاديات مترابطة وسلاما دائما. وهذه الخطط لا تقبل التاجيل لان وضعها والاتفاق عليها يتطلب سنوات عديدة.
ان دلائل عديدة تشير ان كل الاطراف بدات تدرك هذه الحقائق ولكن اطرافا عديدة كذلك لم تدرك بعد ان رفع العقوبات عن العراق وتامين انفتاحه وتعاونه مع الاطراف الاخرى هو الخطوة الاولى الضرورية ليس فقط لانهاء الماسي والمحن التي يعيشها شعب العراق وانما كذلك لنهوض كل الخليج وتقدمه.ان كل الحكومات والقوى السياسية مدعوة منذ الان لان تعلن بوضوح ان المهمة الاولى التي تعمل لها ،لتهيئة الظروف لانطلاقة جديدة في الخليج ،هي رفع الحصار عن العراق و اشراك ومشاركة العراق في الترتيبات الامنية واجراءات التعاون حتى ولو كانت في خلاف مع حكومته ،وحتى لو ارادت المحافظة على وجهة نظرها في هذا الخلاف وطرق حله، فالنظام السياسي في اي بلد من بلدان حوض الخليج لن يقرره الا شعب ذلك البلد والعلاقات بين دول حوض الخليج ينبغي ان تكون علاقات بين دول ومؤسسات دول وليس علاقات بين اشخاص الحكام .بذلك تستطيع شعوب المنطقة تحقيق تعاون وسلام دائم.

عبدالاله البياتي
21/3/2000

نشر في جريدة الوفاق